سورة الذاريات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)}
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} بأن وضعه لديهم، وفيه دليل على أن من إكرام الضيف أن يقدم له أكثر مما يأكل وأن لا يوضع الطعام وضع ويدعى الضيف إليه {قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ}، قيل: عرض للأكل فإن في ذلك تأنيسًا للضيف، وقيل: إنكار لعدم تعرضهم للأكل، وفي بعض الآثار أنهم قالوا: إنا لا نأكل إلا ما أدينا ثمنه فقال عليه السلام: إني لا أبيحه لكم إلا بثمن قالوا: وما هو؟ قال: أن تسموا الله تعالى عند الابتداء وتحمدوه عز وجل عند الفراغ فقال بعضهم لبعض: بحق اتخذه الله تعالى خليلًا.


{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)}
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فأضمر في نفسه منهم خوفًا لما رأى عليه الصلاة والسلام إعراضهم عن طعامه وظن أن ذلك لشر يريدونه فإن أكل الضيف أمنة؛ ودليل على انبساط نفسه وللطعام حرمة وذمام والامتناع منه وحشة موجبة لظن الشر. وعن ابن عباس أنه عليه السلام وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب فخاف {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} إنا رسل الله تعالى، عن يحيى بن شداد مسح جبريل عليه السلام العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم، وعلى ما روي عن الخبر أن هذا لمجرد تأمينه عليه السلام، وقيل: مع تحقيق أنهم ملائكة وعلمهم بما أضمر في نفسه إما باطلاع الله تعالى إياهم عليه، أو إطلاع ملائكته الكرام الكاتبين عليه وإخبارهم به، أو بظهور أمارته في وجهه الشريف فاستدلوا بذلك على الباطن {وَبَشَّرُوهُ} وفي سورة الصافات {وبشرناه} أي بواسطتهم {بغلام} هو عند الجمهور إسحاق بن سارة وهو الحق للتنصيص على أنه المبشر به في سورة هود، والقصة واحدة، وقال مجاهد: إسماعيل ابن هاجر كما رواه عنه ابن جرير وغيره ولا يكاد يصح {عَلِيمٌ} عند بلوغه واستوائه، وفيه تبشير بحياته وكانت البشارة بذكر لأنه أسر للنفس وأبهج، ووصفه بالعلم لأنها الصفة التي يختص بها الإنسان الكامل لا الصورة والجميلة والقوة ونحوهما، وهذا عند غير الأكثرين من أهل هذا الزمان فإن العلم عندهم لا سيما العلم الشرعي رذيلة لا تعادلها رذيلة والجهل فضيلة لا توازنها فضيلة، وفي صيغة المبالغة مع حذف المعمول ما لا يخفى مما يوجب السرور، وعن الحسن {عَلِيمٌ} نبي ووقعت البشارة بعد التأنيس، وفي ذلك إشارة إلى أن درء المفسدة أهم من جلب المصلحة، وذكر بعضهم أن علمه عليه السلام بأنهم ملائكة من حيث بشروه بغيب.


{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)}
{فَأَقْبَلَتِ امرأته} سارّة لما سمعت بشارتهم إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم، وفي التفسير الكبير إنها كانت في خدمتهم فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحيت وأعرضت عنهم فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل دون الإدبار على الملائكة، وهو إن صح مثله عن نقل وأثر لا يأباه الخطاب الآتي لأنه يقتضي الإقبال دون الإدبار إذ يكفي لصحته أن يكون سمع منها وإن كانت مدبرة، نعم في الكلام عليه استعارة ضدية ولا قرينة هاهنا تصححها، وقيل: أقبلت عنى أخذت كما تقول أخذ يشتمني {فِى صَرَّةٍ} في صيحة من الصرير قاله ابن عباس، وقال قتادة. وعكرمة: صرتها رنتها، وقيل: قولها أوه، وقيل: يا ويلتي، وقيل: في شدة، وقيل: الصرة الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض كأنهم صروا أي جمعوا في وعاء وإلى هذا ذهب ابن بحر قال: أي أقبلت في صرة من نسوة تبادرن نظرًا إلى الملائكة عليهم السلام، والجار والمجرور في موضع الحال، أو المفعول به إن فسر {أقبلت} بأخذت قيل: إن {بهذا فِى} عليه زائدة كما في قوله:
يجرح في عراقيبها نصلي ***
والتقدير أخذت صيحة، وقيل: بل الجار والمجرور في موضع الخبر لأن الفعل حينئذٍ من أفعال المقاربة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قال مجاهد: ضربت بيدها على جبهتها وقالت: يا ويلتاه، وقيل: إنها وجدت حرارة الدم فلطمت وجهها من الحياء، وقيل: إنها لطمته تعجبًا وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء {وَقَالَتْ عَجُوزٌ} أي أنا عجوز {عَقِيمٍ} عاقر فكيف ألد، وعقيم فعيل قيل: عنى فاعل أو مفعول وأصل معنى العقم اليبس.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12